بــــســـم الـلـه الــحــمــن الــرحيم
فلسطين ليست مجرد أرض. بل نبض قلب لا يتوقف. وصرخة حق لا تموت.
من القدس إلى غزة. تسيل الدموع والدماء. وتُرفع الأكف بالدعاء.
مدينة تحت القصف. فوقها الطائرات. وتحتها الأنفاق.
لكنها لا تنكسر… فيها أم تُطفئ خوف طفلها بالقرآن.
وفيها مقاوم يحمل بندقيته ويبتسم وكأنه على موعد مع الشهادة.
تحت الركام قصص. وفي العيون دمع حابس.
أطفال بلا ألعاب. نساء بلا مأوى. وشباب بين جريح وأسير وشهيد.
لكن رغم كل شيء. ترفع غزة راية “لن نركع إلا لله”.
غزة ليست مجرد أرض صغيرة محاصرة. بل هي جرح مفتوح في جسد الأمة ووجع متجدد لا يندمل. وجع أهل غزة ليس مجرد أرقام في نشرات الأخبار. بل هو وجع الأرامل. والأيتام. والبيوت المهدمة. والأحلام التي تُدفن تحت الركام.
منذ أكثر من 18 عاماً. يعيش أكثر من مليوني إنسان في غزة تحت حصار ظالم قطع أوصال حياتهم. الكهرباء لا تصل إلا لساعات محدودة. المياه العذبة شحيحة. والأدوية مفقودة. آلاف المرضى ينتظرون إذناً للخروج للعلاج فلا يجدونه. وكأن أرواحهم رهينة لقرارات سياسية. غزة تحولت إلى سجن كبير. لكن أهلها يواصلون المقاومة بالصبر والإرادة.
وجع غزة يكتب بدماء الشهداء. استشهد القادة كما استشهد الأطفال والنساء. ارتقى الشهيد إسماعيل هنية رمزاً للصمود والقيادة. والشهيد يحيى السنوار الذي قضى حياته مدافعاً عن كرامة شعبه. وعلى خطاهم سقط آلاف الشهداء من المدنيين. أطفال كـ آلاء قدوم التي لم تكمل عامها الخامس. وأمهات حملن أبناءهن في الأكفان بدل الأحضان.
وفي كل بيت شهيد أو جريح. وكل شارع يحمل أثراً لدم أو دمعة.
خلف كل غارة. قصة عائلة تمزقت. آلاف النساء أصبحن أرامل بعد أن فقدن أزواجهن. يحملن عبء التربية والإعالة وسط الحصار والجوع. أما الأطفال. فبعضهم لم يعرف حضن أبيه إلا في صورة مؤطرة على جدار البيت. هؤلاء الأيتام يكبرون في عالم يسرق طفولتهم لكنه لا يسلبهم الأمل.
ورغم كل هذا الألم. بقيت غزة تقاوم. رجالها ونساؤها. شبابها وشيوخها. وأبطال المقاومة الذين سطروا أسماءهم في التاريخ. من بينهم أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام. رمز للصوت الذي يرفع المعنويات. وأبطال ميدانيون قضوا نحبهم دفاعاً عن الأرض.
إنهم يعلمون العالم أن الشعوب المقهورة قادرة على أن تصنع من الحصار قوة. ومن الدم حياة.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة. بل أيقونة للصمود. هي الجرح الذي يكشف للعالم قسوة الظلم. لكنها أيضاً الصوت الذي يعلّم البشرية معنى الكرامة. في غزة تختصر القصة كلها. شعب يواجه الموت يومياً. لكنه يرفض أن ينكسر أو يستسلم.
المقاطعة ليست مجرد خيار عابر بل هي واجب أخلاقي ووطني وديني.
هي سلاح في يد كل إنسان حر لا يملك الدبابة ولا الصاروخ لكنه يملك القرار في جيبه وفي يده. قرار أن لا يضع ماله في جيوب من يقتلون الأطفال ويدمرون البيوت في غزة وفلسطين.
كل سلعة نشتريها من شركة داعمة للاحتلال تتحول إلى رصاصة في صدر طفل أو دمعة في عين أم ثكلى أو صاروخ يسقط فوق بيت آمن. وكل مقاطعة منّا تعني رصاصة سلمية في صدر الاحتلال تضعفه وتنهك اقتصاده وتوصل له رسالة أن الشعوب لا ترضى بالظلم.
قد يظن البعض أن شراءه البسيط لا يؤثر وأن المقاطعة لا قيمة لها لكن الحقيقة أن ملايين المشتريات الصغيرة تصنع اقتصادا ضخما يغذي آلة القتل، وأن ملايين القرارات الفردية قادرة على إحداث زلزال اقتصادي يهز أركان الشركات الداعمة للكيان المحتل.
كما أن رصاصة واحدة قد لا تنهي حربا لكنها جزء من معركة طويلة، فإن مقاطعة فرد واحد قد تبدو قليلة لكنها حين تجتمع مع آلاف وملايين المقاطعين تتحول إلى قوة جبارة تشل حركة الظلم وتضعف نفوذه.
المقاطعة موقف أخلاقي قبل أن تكون فعلا اقتصاديا. إنها شهادة مكتوبة بالفعل لا بالكلام أنني لن أكون شريكا في دم الأبرياء. إنها صرخة صامتة لكنها مسموعة في العالم كله تقول للظالمين إننا لا نبيع ضمائرنا وإننا نملك القوة التي بين أيدينا: قوة الوعي وقوة القرار.
قاطعوا من يموّل القتل، قاطعوا من يتاجر بدم الأطفال، قاطعوا من يبني أرباحه على جراح غزة. فالمقاطعة ليست ضعفا بل هي شكل من أشكال المقاومة. هي مقاومة بلا بارود لكنها لا تقل أثرا عن السلاح. المقاطعة كرامة وشرف وانتصار للإنسانية.
فلنرفع جميعا هذا الشعار:
قاطعوا فالمقاطعة مقاومة والمقاومة كرامة.
إن هذه الدعوة المباركة تذكرنا بأن سلاح المؤمن ليس فقط البندقية ولا الصاروخ. بل أيضًا الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل في جوف الليل. فحينما يرفع المؤمن يديه خاشعًا باكيًا. يستنصر ربه ويطلب منه الفرج. فإن أبواب السماء تُفتح. وتنزل الرحمات. وتُكتب للمستضعفين نصرة لا تخطر على بال.
أهل غزة اليوم يعيشون تحت القصف والحصار. لكنهم صابرون ثابتون. ونحن هنا مطالبون أن نكون سندًا لهم بما نملك. بكلمة حق. بصدقة. بدعاء. وبمقاطعة العدو. الدعاء في هذه الليلة ليس مجرد عادة. بل هو مشاركة فعلية في المعركة. لأنه يقوي عزائم المجاهدين ويثبت قلوب الصابرين. ويُشعرهم أنهم ليسوا وحدهم في هذا الطريق الطويل.
فلنغتنم هذه الفرصة ونقف بين يدي الله تعالى ركعتين في جوف الليل. ثم نلهج بالدعاء أن يرفع البلاء عن أهل غزة. وأن يرزقهم النصر والتمكين. وأن يجعل دماء الشهداء نورًا. وصبر الأمهات عزيمة. ودموع الأطفال أمانة في أعناقنا. وليكن هذا الدعاء عهدًا على أن نبقى أوفياء لقضيتهم. عاملين بكل وسيلة لنصرتهم.